- عن عبد الله بن عمر، قال: قدم رجلان من المشْرق فخطبا فعجب النَّاس لبَيَانِهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من الـبَيَان لسِحْرًا، أو: إنَّ بعْضَ الـبَيَان لسِحْرٌ) [3017] رواه البخاري (5767).. والمراد بالبيان (اجتماع الفَصَاحة والبَلَاغة وذكاء القلب مع اللِّسان، وإنَّما شُبِّه بالسِّحر لحِدَّة عمله في سامعه، وسرعة قبول القلب له، يُضْرب في استحسان المنطق، وإيراد الحجَّة البالغة) [3018] ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (13/ 240).. ونقل أبو هلال العسكري عن عسل بن ذكوان، أنَّه قال: (قال أبو عبد الرَّحمن: أَذَمَّ الـبَيَان أمْ مَدَحه؟ فما أبان أحد بشيء، فقال: ذمَّه؛ لأن السِّحر تمويه، فقال: إنَّ من الـبَيَان ما يُمَوِّه الباطل، حتى يُشَبِّهه بالحقِّ، وقال غيره: بل مَدَحه؛ لأنَّ الـبَيَان من الفهم والذَّكاء. قال أبو هلال: الصَّحيح أنَّه مَدَحه، وتسميته إياه سِحْرًا، إنَّما هو على جهة التَّعجب منه، لأنَّه لما ذمَّ عمرو الزبرقان، ومدحه في حالة واحدة، وصدق في مدحه وذمِّه فيما ذَكَر، عجب النَّبي صلى الله عليه وسلم كما يعجب من السِّحر، فسمَّاه سحرًا من هذا الوجه) [3019] ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (1/ 14).. - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت جوامع الكلم)) [3020] رواه مسلم (523)..
قال: فعلى هذا؛ فالذي يُشبَّه بالسِّحْر منه هو المذموم، وتُعقِّب بأنَّه لا مانع مِن تسمية الآخَر سحرًا، وقد حمل بعضُهم الحديث على المدح، والحثِّ على تحسين الكلام، وحَمَله بعضُهم على الذمِّ لمَن تَصَنَّع في الكلام، وتكلَّف لتحسينه، فشُبِّه بالسحر الذي هو تخييل لغير حقيقة. وقال ابن بطَّال: أحسنُ ما يُقال في هذا: أنَّ هذا الحديث ليس ذمًّا للبيان كلِّه، ولا مدحًا له، فأتى بلفظة ( مِن) التي للتبعيض، قال: وكيف يذمُّ البيان، وقد امتنَّ الله به على عبادِه حيث قال: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3، 4]؟! ا. هـ. والذي يَظهر أنَّ المراد بالبيان في الآية المعنى الأوَّل الذي نبَّه عليه الخطابي، لا خُصوص ما نحن فيه. وقد اتَّفق العلماء على مدْح الإيجاز، والإتيان بالمعاني الكثيرة بألفاظ يسيرة، وهذا مِن البيان بالمعنى الثاني [3]. قال الميداني: "ومعنى السِّحر: إظهارُ الباطل في صورة الحق، والبيان اجتماعُ الفصاحة والبلاغة، وذكاء القلب مع اللَّسَن، وإنما شُبِّه بالسِّحر لحدَّة عملِه في سامعه، وسُرعة قَبول القلْب له، يُضرب في استحسان المنطق، وإيراد الحُجَّة البالغة. وقال أبو عبيد البكري الأندلسيُّ: في شرح كتاب " الأمثال "، للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلاَّم: "الناس يتلقَّوْن هذا الحديث على أنَّه في مدح البيان، وأدرجوا في كتبِهم هذا التأويل، وتلقَّاه العلماءُ على غير ذلك، بوَّب مالك في الموطأ عليه ( باب ما يُكره مِن الكلام)، فحمَله على الذم، وهذا هو الصحيحُ في تأويله؛ لأنَّ الله تعالى قد سمَّى السِّحر فسادًا في قوله تعالى: ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81]".
إن من البيان لسحرًا - الشيخ صالح المغامسي - فيديو Dailymotion
الاحابة نص السؤال هل يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم « إن من البيان لسحرًا » التحذير من المبالغة في أساليب الكلام والتقعر في الكلمات واختيار الألفاظ؟نص الإجابة قوله صلى الله عليه وسلم « إن من البيان لسحرًا » [رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما] فهم منه بعض العلماء أنه من باب الذم لبعض الفصاحة وذهب أكثر العلماء إلى أنه من باب المدح قال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرح كتاب التوحيد قلت والأول أصح وأنه خرج مخرج الذم لبعض البيان لا كله وهو الذي فيه تصويب الباطل وتحسينه حتى يتوهم السامع أنه حق أو يكون فيه بلاغة زائدة عن الحد أو قوة في الخصومة حتى يسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق ونحو ذلك فسماه سحرًا؛ لأنه يستميل القلوب كالسحر ولهذا لما جاءه رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من البيان لسحرًا » [رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما] كما رواه مالك والبخاري وغيرهما وأما جنس البيان فمحمود بخلاف الشعر فجنسه مذموم إلا ما كان حكمًا ولكن لا يحمد البيان إلا إذا لم يخرج إلى حد الإسهاب والإطناب أو تصوير الباطل في صورة الحق فإذا خرج إلى هذا الحد فمذموم وعلى هذا تدل الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم « إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها » [رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما] وعليه فإنه ينبغي للمسلم أن يتكلم بالكلام المتوسط المعتاد والذي يفهمه السامع ويحصل به المقصود ويكره التقعر في الكلام وفي الحديث الذي رواه مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم « هلك المتنطعون » [رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله رضي الله عنه] قالها ثلاثًا قال أبو السعادات هم المتعمقون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم وقال النووي فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام
الجمعة ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦ بقلم ما هو أصل القول، وهل هو حديث: "إن من البيان لسحرا"؟ روى الإمام البخاريُّ في صحيحه، كتاب الطب، باب: إن من البيان سحرًا، (رقم: 5767)، عن عبد الله بن يوسف: أخبرَنا مالك، عن زيد بن أسلمَ، عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه قَدِمَ رجلان من المَشْرق، فخطَبا فعَجِبَ الناسُ لبيانهما، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ مِنَ البَيان لَسِحرًا - أوْ إنَّ بَعْضَ البَيانِ سِحْر–" ثمة رواية أخرى، هي البارزة في كتب التراث: أورد الميداني المثل الأول في (مجمع الأمثال) – إن من البيان لسحرا، وذكر قصته: "قاله النبي صلى الله عليه و سلم حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزِّبْرِقان بن بدر وقيس بن عاصم فسأل عليه الصلاة و السلام عمرو بن الأهتم عن الزبرقان، فقال عمرو: مطاع في أدْنَيه ، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا، ولكنه حسدني. فقال عمرو: أما والله إنه لزَمِر المروءة، ضيّق العَطَن، أحمق الوالد، لئيم الخال، والله يا رسول الله ما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الأخرى، ولكني رجل رضيت، فقلت أحسن ما علمت، وسخطت فقلت أقبح ما وجدت.